أصبح السوق عالقاً بين رغبةٍ جامحةٍ في الاستثمار وغريزةٍ فطريةٍ للاحتفاظ برأس المال، في مشهدٍ يُنذر بمعركةٍ مرتقبة حول من سيفرض هيمنته على موجة الارتفاع المقبلة.

شهدت حركة الأصول على البلوكتشين تحوّلاً ملحوظاً استرعى انتباه السوق، إذ دخل ما يقارب 900 مليون دولار من العملات المستقرة إلى منصة بينانس (Binance) هذا الأسبوع، في وقتٍ قام فيه كبار مالكي عملة بيتكوين (Bitcoin-BTC) بسحب أصولهم بهدوء. وتعكس هذه التحركات تغيّراً محتملاً في توجهات المستثمرين المؤسساتيين بالتزامن مع تزايد الغموض السياسي في الولايات المتحدة.

تسارع وتيرة دوران الاستثمارات في العملات الرقمية مع تصاعد أزمة ترامب وباول ودفعها لمزاج المخاطرة

وفقاً لتقرير منصة CryptoQuant، تُظهر بيانات البلوكتشين أن حيتان عملة بيتكوين (Bitcoin) بدؤوا بتقليص تواجدهم على المنصات الرائدة. فخلال آخر 30 يوماً، انخفضت ودائعهم على منصة بينانس من 6.75 مليار دولار إلى 4.5 مليار بتراجعٍ قدره 2.25 مليار دولار. ويُمثل هذا الانخفاض مؤشراً محتملاً على تراجع ضغط البيع، إذ طالما قام الحيتان بنقل أرصدتهم من عملة BTC إلى منصات التداول تمهيداً لعمليات بيع ضخمة. أما الآن، فإن هذا التراجع قد يعكس الرغبة بتهدئة السوق وتقليل فرص حدوث تصحيحاتٍ حادة.

المصدر: CryptoQuantفي الوقت ذاته، تتوافد الاستثمارات بوتيرة متسارعة. ففي 16 تموز/يوليو وحدَه، استقبلت منصة Binance ما يزيد على 895 مليون دولار من العملات المستقرة، تلتها مباشرةً منصة HTX بـ 819 مليوناً. وهذه ليست تحركات صغار المستثمرين، بل تشير أحجام التداول وتزامن العمليات إلى تجميع منسّق تقوده المؤسسات.

ومع تراجع الحيتان وتقدّم المشترين ذوي الملاءة العالية، تتكوّن الظروف لحدوث ما يصفه محللو البلوكتشين بـ “انقلاب السيولة”، حيث تزداد الاستثمارات الواردة بينما يتريّث البائعون التقليديون. وفي المرة الأخيرة التي شهدت فيها الأسواق بنية مشابهة، ارتفعت الأسعار بشكلٍ صاروخي.

غير أن هذه البنية الصاعدة الهشة بدأت تتزعزع بفعل الغموض السياسي، فقد انتشرت هذا الأسبوع شائعاتٌ بأن دونالد ترامب ناقش في اجتماعٍ مغلق مع مشرّعين جمهوريين إمكانية إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول (Jerome Powell)، إلا أن ترامب نفى لاحقاً علناً نيّته عزله.

وقد أربكت احتمالية إزاحة باول -المعروف بسياسته النقدية المتشددة ورفع معدلات الفائدة- حسابات المستثمرين؛ فارتفعت عوائد السندات وتراجعت عملة الدولار وبدأت الاستثمارات بالتحوّل نحو الأصول المحفوفة بالمخاطر، وعلى رأسها العملات الرقمية.

سعر عملة بيتكوين (Bitcoin) على صفيح ساخن مع تحرك عملات خاملة بقيمة 4.7 مليار دولار وقيام شركة تيثر بإصدار ما قيمته 3 مليار دولار من عملة تيثر (Tether-USDT)

وسط تقلبات السوق، شهدت بلوكتشين بيتكوين (Bitcoin Blockchain) حركةً غير معتادة أثارت قلق المتابعين، فقد عاد أحد أقدم حيتان عملة بيتكوين (Bitcoin) إلى النشاط بعد أكثر من عشر سنواتٍ من السكون. فهذا العنوان -الذي جمع 80,000 عملة BTC منذ عام 2011- قام بتحويل أكثر من 40,000 عملة بقيمةٍ تقارب 4.77 مليار دولار، إلى عنوانٍ جديد.

ورغم عدم وضوح ما إذا كانت هذه التحركات تُمهد للبيع أو مجرَّد إعادة تنظيم للمحافظ، إلا أنها أشعلت المخاوف من موجة تصفية وشيكةٍ قد تعصف بالسوق.

وفي تصعيد إضافي للتوترات، عادت محفظة كريبتو غير نشطةٍ تحتوي 1,042 عملة بيتكوين (Bitcoin) -بقيمةٍ تقارب 122 مليون دولار- إلى النشاط بعد ست سنواتٍ من الجمود. ولا يُعرف ما إذا كانت هذه التحركات تُعَد إعادة توزيع للعملات المحفوظة في التخزين البارد (غير المتصل بالانترنت) أم استعداداً لعمليات بيع، لكنّ نشاطها المُفاجئ أربك المتداولين.

أما بما يتعلق بالعملات المستقرة، فقد اتخذت شركة تيثر واحدةً من أكثر تحركاتها جرأةً مؤخراً. ففي 16 تموز/يوليو، أصدرت الشركة ما قيمته ثلاثة مليارات دولار من عملة تيثر (Tether) خلال أقل من 24 ساعة، بواقع ملياري دولار أولاً، ثم مليار دولار إضافي بعد فترة وجيزة.

وبينما تتفاعل هذه العوامل وتنتج ظروفاً جديدة، يُحافظ سعر عملة بيتكوين (Bitcoin) على استقراره عند 118,200$، بانخفاضٍ طفيفٍ عن أعلى مستوياته على الإطلاق عند 123,000$ المُسجل بداية الأسبوع. ورغم حالة الاستقرار، تشير مؤشرات السوق الداخلية إلى احتمال دخوله في مرحلة تباطؤ؛ إذ تتزايد الأصول المنقولة إلى منصات التداول، وهو مؤشرٌ تقليدي على بدء عمليات جني الأرباح.

ويُلاحظ أن صغار المستثمرين يُسرّعون من وتيرة تحويل أموالهم إلى المنصات، في حين تتراجع وتيرة الإيداع من الحيتان. رغم ذلك، تظل قناعة المستثمرين الجدد قوية على نحوٍ غير معتاد؛ حيث تُظهر بيانات Glassnode أن عدد عملات بيتكوين (Bitcoin) المُحتفظ بها من قبل مشترين جدد بلغ 4.91 مليون عملة مقارنة بـ 4.77 مليون عملة قبل أسبوعين، أي بفارقٍ يُقارب 140,000 عملة (تُعادل أكثر من 23 مليار دولار) تم شراؤها عند مستوياتٍ قريبة من القمة.

ولأوّل مرة في تاريخ عملة بيتكوين (Bitcoin)، أصبَح متوسط تكلفة الشراء للمالكين على المدى القصير يتجاوز 100,000$، ما يُظهر اندفاعهم لاستغلال الانخفاض الأخير عندما تراجع السعر إلى ما دون 116,000$.

فاتساع الفجوة بين حماسة صغار المستثمرين وحذر الحيتان يضع المحللين في حالة تأهّبٍ قصوى؛ فتصاعد نشاط التصفيات من قبل المحافظ القديمة قد يفكّك البنية السائدة حالياً في السوق ويدفع نحو انعكاس مفاجئ في المزاج العام. مع ذلك، ما يزال سعر عملة بيتكوين (Bitcoin) يُظهر قدراً من الصلابة مدعوماً بتحركات العملات المستقرة، وتراجع ضغط البيع، وتحوّل معطيات الاقتصاد الكلي بما يُحفّز شهية المخاطرة لدى المستثمرين.