تتجه عملة بيتكوين نحو تسجيل رابع تراجع سنوي في تاريخها، لكنه الأول الذي لا يرتبط بفضيحة كبرى أو انهيار شامل داخل صناعة العملات المشفرة. حيث إن هذا التراجع يأتي في وقت يُفترض فيه أن السوق أكثر نضجًا وتنظيمًا مقارنة بالدورات السابقة.

أحدث موجات الهبوط وقعت يوم الاثنين، عندما تعرضت بيتكوين لعمليات بيع حادة دفعتها للتراجع بنسبة وصلت إلى 3.7% خلال تعاملات نيويورك. وبهذا أصبحت العملة منخفضة بنحو 7% منذ بداية العام، بينما يتم تداولها عند مستوى يقارب 87 ألف دولار عند الساعة 11 صباحًا بتوقيت الرياض يوم الأربعاء.

ورغم أن هذا التصحيح يبدو أقل حدة مقارنة بالسنوات الثلاث السابقة التي شهدت خسائر سنوية، فإن توقيته يثير الدهشة، إذ يأتي في ظل بيئة مختلفة تمامًا تتسم باتساع نطاق التبني المؤسسي، وتطور الأطر التنظيمية، وظهور دعم سياسي غير مسبوق من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فقدان الزخم بعد القمة التاريخية

منذ أن سجلت بيتكوين مستوى قياسيًا تجاوز 126,000 دولار في مطلع أكتوبر، دخلت السوق في حالة ارتباك أربكت المتفائلين، وأبقت الأصول الرقمية في بحث مستمر عن أرضية صلبة. حيث تراجعت أحجام التداول بوضوح، والمستثمرون بدأوا في سحب أموالهم من صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة ببيتكوين، كما أظهرت أسواق المشتقات ضعفًا في الشهية تجاه الرهان على تعافٍ قريب.

حتى عمليات الشراء الضخمة التي نفذتها إحدى أكبر الحيتان في السوق، ممثلة في شركة ستراتيجي بقيادة مايكل سايلور، لم تكن كافية لتغيير الاتجاه العام. وأشار مدير محافظ في صندوق أبولو كريبتو، براتيك كالا، إلى أن معظم المستثمرين فوجئوا بعدم ترجمة المحفزات الإيجابية الكثيرة إلى ارتفاعات فعلية في الأسعار.

في المقابل، أدى دخول السوق في مسار هابط إلى فك الارتباط بين بيتكوين والأسهم الأميركية. ففي الوقت الذي سجل فيه مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مستويات قياسية وحقق مكاسب بنحو 16% منذ بداية العام، واصلت أسهم التكنولوجيا تحقيق أداء أقوى، عجزت بيتكوين عن مجاراة هذا الصعود.

دروس من الانهيارات السابقة

شهدت بيتكوين منذ بدء تداولها في البورصات عام 2010 ثلاث خسائر سنوية كبيرة، ارتبطت جميعها بأحداث هزت ثقة السوق بشكل مباشر. في عام 2014، كشف اختراق وانهيار منصة إم تي غوكس عن ثغرات عميقة في البنية التحتية الناشئة للعملات المشفرة، وأثبت للمستثمرين الأوائل أن أموالهم ليست بالضرورة آمنة على المنصات المركزية، ما أدى إلى تراجع العملة بنحو 58% في ذلك العام.

وبعد 4 سنوات، انفجرت فقاعة الطروحات الأولية للعملات الرقمية عقب تشديد الجهات التنظيمية، لتدخل بيتكوين وبقية الرموز في دوامة هبوط حادة. ولا يزال تراجع عام 2018، الذي بلغ 74%، الأكبر في تاريخ العملة حتى الآن.

أما انهيار 2022 فكان الأشد تأثيرًا من حيث التداعيات، ليس فقط بسبب تضخم حجم السوق آنذاك، بل أيضًا نتيجة سقوط شركات كبرى، أبرزها منصة إف تي إكس بقيادة سام بانكمان فرايد، وما تبعه من حملة تنظيمية صارمة في عهد إدارة جو بايدن.

تصحيح زمني بدلًا من انهيار سعري

يرى ماكسيم زايلر، الرئيس التنفيذي لشركة إس تي إس ديجيتال، أن الدورة الحالية قد تنتهي على شكل تصحيح زمني أكثر منه انهيارًا سعريًا حادًا. ووفق هذا التصور، قد تدخل بيتكوين في مرحلة تماسك طويلة تتراوح خلالها الأسعار بين 70,000 و100,000 دولار.

حتى بلوغ قمة أكتوبر، كان المشهد يوحي بأن صعود بيتكوين لا يمكن إيقافه. فقد أعلن ترامب اعتبار العملات المشفرة أولوية وطنية، وأقر الكونغرس الأميركي تشريعات محورية تخص العملات المستقرة، في حين اجتذبت صناديق بيتكوين المتداولة مليارات الدولارات، وقفزت قيم صفقات الاستحواذ وجولات التمويل، وتراجعت قضايا إنفاذ القوانين التي فُتحت في عهد الإدارة السابقة.

لكن خلف هذا الزخم، كانت نقاط الضعف تتراكم، وعلى رأسها الرفع المالي المفرط. وقد انفجرت هذه الهشاشة إلى العلن في 10 أكتوبر، عندما جرى تصفية رهانات مرفوعة بقيمة 19 مليار دولار، ما أدخل أسواق العملات المشفرة في موجة اضطراب حادة.

انسحاب السيولة وضغط الحيتان

بعد موجة التصفية، بدأ كبار حاملي بيتكوين في البيع، ما أبقى الضغوط على الأسعار حتى بعد خروج معظم الرافعة المالية من السوق. ووفق بيانات كوين ديسك، شهدت أحجام التداول في نوفمبر أكبر تراجع شهري لها منذ مطلع 2024.

وتشير مؤشرات متعددة إلى أن المتداولين يفضلون البقاء على الهامش في الوقت الحالي. فقد سحب المستثمرون أكثر من 5.2 مليار دولار من صناديق بيتكوين الفورية المدرجة في الولايات المتحدة منذ 10 أكتوبر، كما انخفض عمق السوق، الذي يقيس قدرة السوق على استيعاب الصفقات الكبيرة دون تقلبات حادة، بنحو 30% مقارنة بذروة العام، بحسب بيانات شركة كايكو.

وبرأي كالا، فإن بيع الحيتان القدامى لعب دورًا حاسمًا في إضعاف الزخم، مشيرًا إلى أن الصناعة حصلت على كل ما طالبت به على الصعيد التنظيمي، بما في ذلك صناديق مؤشرات مع ميزات متقدمة، لكن الأسعار لم تستجب كما كان متوقعًا.